السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سرعتْ (مُزنةُ) غاضبةً إلى قطِّها الصغيرِ الذي تحبُّه كثيراً، فأمسكتْ به، ثم ذهبتْ تبحثُ عن المقصِّ، ولكنَّها لم تجدهُ، فسألت أختها الكبرى:
ـ أين المقصُّ يا ودادُ؟...
نظرت إليها ودادُ ثم سألتْها:
ـ وماذا ستفعلينَ به يا مُزْنةُ؟
ـ سأقصَّ مخلبَ هذا القطِّ الشقيّ!
استغربتْ ودادُ كلامَ أختها الصغيرةِ، وسألتْ مندهشةً:
ـ ولماذا؟..
قالت مُزنةُ:
ـ إنّه قطٌّ صغير،لكنه شقيٌّ جدَّاً، ألا ترينَ كيف يقفزُ ، ويركضُ ويصعدُ فوقَ الكرسيِّ، وينشبُ مخالبَهُ في السجِّادة؟!
ضحكتْ ودادُ، ثم قالتْ:
ـ حسناً يا حبيبتي. دعي القطَّ الصغيرَ الآنَ ولا تقصِّي مخالبَهُ فقد يحتاجُ إليها...
ـ ولكنَّ المعلمةَ أوصتنا أن نُقلِّمَ أظافرنا... ولو رأتُه المعلمةُ الآن لعاقبته.
ضحكتْ ودادُ من جديدٍ، ثم أخذتْ منها القطَّ الصغيرَ، وأفلتته، فانطلقَ يقفزُ فوقَ أرضِ البيتِ، وقِطَعِ الأثاثِ.
انصرفتْ ودادُ إلى عملها خلفَ آلةِ الخياطةِ، بينما لحقتْ مُزنةُ بالقطِّ الصغيرِ، وأخذتْ تراقبهُ خلسةً.
دخلَّ القطُّ غرفةَ النومِ، فشاهدَ في مرآةِ الخزانةِ قطَّاً صغيراً يشبهُهُ، فتوقَّفَ لحظةً، وفكَّرَ في أمرِ هذا القطِّ الغريبِ، وقالَ في نفسِه: "يبدو أنه قطٌّ شقيٌّ،قد تسلَّلَ إلى المنزلِ خفيةً..!"..
ثم نظرَ إليه غاضباً، فرآه يغضبُ أيضاً. عندئذٍّ جلس على الأرضِ وجمعَ قوَّتَهُ، ووثبَ نحو القطِّ الغريبِ، فاصطدمَ رأسُه بالمرآةِ اصطداماً قوياً آلمَهُ!...
لم يهتمَّ القطُّ الصغيرُ بالألمِّ، فاستدارَ خارجاً، وقد لمحَ القطَّ الغريبُ في المرآةِ يستديرُ، ويخرجُ، فقال في نفسهِ: "لقد لقَّنْتُهُ درساً لن ينساهُ أبداً، وأظنُّ أنه هربَ، ولن يعودَ إلى هذا البيتِ مرةً ثانيةً"..
كانتْ مُزنةُ واقفةً قربَ البابِ تراقبُ قطَّها الصغيرَ، وهي تضحكُ، وعندما مرَّ بها اعترضتْ طريقَهُ، وحملتْهُ بين يديها، ثم شدَّتْهُ من أذنه، وقالتْ:
ـ أنتَ لست شقيَّاً، فحسبُ، ولكنك غبيٌّ أيضاً.
لكنَّ القطَّ الصغيرَ قفزَ من حضنِها ، وخرجَ مسرعاً إلى ساحةِ الدارِ فلحقتْ به لترى ما سيفعلُ...
وقفَ القطُّ الصغيرُ وحيداً... تلفَّتَ حولَهُ، فلم يرَ أحداً، ثم تقدَّمَ نحو بِرْكَةِ الماءِ، ووقفَ على حافَّتِها، وهناكَ حانتْ منه التفاتةٌ إلى الماءِ، فشاهدَ القطَّ الصغيرَ نفسَهُ، الذي رآه قبل قليلٍ في المرآةِ، فغضبَ غضباً شديداً، وقالَ في سرِّهِ: "هذا القطُّ الغريبُ، يتحدَّاني. يجبُ أن أنقضَّ عليه هذه المرَّةَ بقوَّةٍ، وأنشبَ مخالبي في وجهه كي لا يعودَ إلى هذا المنزلِ بعدَ اليومِ"...
وفي الحالِ قفزَ القطُّ الصغيرُ إلى الماءِ فهاجمَ القطَّ الغريبَ، لكنَّه غاصَ في الماءِ، ولم يكنْ يعرفُ السِّباحةَ، فكاد يختنقُ غرقاً.
أسرعتْ مُزنة، وأنقذتْهُ من الغرق، وقالتْ مؤنِّبَةً:
ـ أنتَ شقيٌّ وأبلهُ!!!.. إنك تفعلُ اليومَ أفعالَ المجانينِ... أليس لكَ عقلٌ تُفكِّرُ به!!!...
ثم أخذتْهُ إلى الداخلِ، وبدأتْ تُجفِّفُ وَبَرَهُ، وتمسحُ وجهَهُ بالمنشفة.
عندَ حلولِ المساءِ جلستْ مُزنةُ مع إخوتها تتمتَّعُ بمشاهدةِ (برنامجِ) الأطفالِ في (التلفاز) وكان القطُّ الصغيرُ جالساً على الأرضِ. بجانبها، وحين ظهرَ على (الشاشةِ) قطٌّ صغيرٌ ملوّنٌ، نهضَ القطُّ الصغيرُ فجأةً، وقد ظهرتْ على ملامحهِ علاماتُ الغضبِ، واستعدَّ للوثوبِ، ثم قفزَ نحوَ القطِّ فاصطدمَ بالشاشةِ، ووقعَ على الأرضِ.
دُهشْتَ مُزنةُ، وهي ترى قطَّها الصغيرَ يقومُ بهذه الأفعالِ الشقيِّةِ، فأمسكتْهُ، وقالتْ مُؤَنِّبَةً:
ـ لقد صدمتَ رأسكَ عدَّةَ مراتٍ هذا اليومَ، ولم تتعلمْ من واحدةٍ، ألا تستعمل عقلكَ أبداً؟!...
ثم نظرتْ إلى أختها وداد معاتبةً، وقالتْ:
ـ لو أنكِ سمحتِ لي بتقليمِ مخالبِ هذا القطِّ الشقيِّ لتأدَّبَ...
ضحكت ودادُ ، ولم تُجبْ.
عادتْ مزنةُ إلى القولِ، وهي تُلقي القطَّ الصغيرَ من يديها...
ـ لو أن هناك مدرسةً للقططةِ.
ضحكتْ ودادُ ثانيةً، ثم قالت:
ـ ولكن يجبُ أن يتعلَّمَ حتى يتجنَّبَ الأخطارَ....
ضحكتْ ودادُ مرَّةً أخرى، وظلَّتْ تنظر إلى أختها الصغيرةِ صامتةً، فاقتربتْ مُزنةُ منها، وقالتْ هامسةً:
ـ أرجو يا ودادُ أن تخيطي (صدَّارةً) لهذا القطِّ الشقيِّ لأني أرغبُ في اصطحابهِ إلى المدرسةِ...
ازدادتْ ضحكةُ ودادٍ ولم تتكلمْ.
تابعتْ مُزنةُ كلامها:
ـ سآخذهُ إلى المدرسةِ، ليتعلَّمَ كيفَ يُغْسِّلُ، وكيف يُمسكُ المشطَ، ويقفُ أمامَ المرآةِ، ويسرِّحُ شعرَهُ، وكيف ينظِّفُ أسنانَهُ بالفرشاةِ والمعجونِ، وكيف يغنِّي، وكيف يرسمُ الحروفَ، ويكتبُ يومياتِهِ كقطٍّ متحضِّرٍ...
قاطعتْها ودادُ ضاحكةً:
تمهَّلي يا حبيبتي، هذا كثيرٌ على قطٍّ لا يزالُ صغيراً!...
قالتْ مزنةُ جادَّةً:
ـ عفواً يا أختي العزيزةَ. المعلمةُ قالتْ أمسِ: "العلمُ في الصِّغَرِ كالنقشِ في الحجرِ"...